فريدريك دوغلاس ناشط أميركي من أصل أفريقي، وُلد عام 1818 في ولاية ميريلاند، ونجح في الهروب من العبودية إلى شمال البلاد، وأصبح فيما بعد من أكثر الشخصيات تأثيرا في الحركة المناهضة للعبودية.
برز دوره في دعم حقوق المرأة، ودفاعه عن الجنود الأميركيين من أصل أفريقي أثناء الحرب الأهلية الأميركية في القرن التاسع عشر.
المولد والنشأة:
ولد فريدريك دوغلاس في فبراير/شباط 1818 في مقاطعة تالبوت بولاية ميريلاند في الولايات المتحدة الأميركية.
نشأ في أوج فترة العبودية، فكان مصيره أن يولد عبدا كما هو الحال مع أقرانه ذوي الأصول الأفريقية، وعاش بعيدا عن أمه “هارييت بايلي” نتيجة لمنهجية تفريق العبيد عن عوائلهم.
وحين بلغ السابعة من عمره توفيت والدته، أما والده فمجهول الهوية، ويعتقده دوغلاس أنه ينحدر من العرق الأبيض.
تزوج فريدريك دوغلاس عام 1838 من آنا موراي، وهي عاملة من أصول أفريقية لكنها كانت حرة، وهي التي موّلت هروبه إلى الشمال، وأنجبت منه 5 أبناء، وتوفيت في 4 أغسطس/آب 1882 بعد صراعها مع مرض مزمن.
وفي 25 يناير/كانون الثاني 1884 تزوج الناشطة في حركة حقوق المرأة هيلين بيتس، واستمر زواجهما حتى توفي دوغلاس في 20 فبراير/شباط 1985.
حياة العبودية
عاش فريدريك دوغلاس طفولة صعبة نتيجة لما قاساه من تعذيب جسدي ونفسي أثناء فترة استعباده، إذ كان الأطفال العبيد آنذاك محرومين من أبسط حقوقهم، وكانوا في صراع دائم على الطعام ووسائل الراحة.
وكان الطفل دوغلاس تحت مسؤولية الكابتن آرون أنثوني، الذي كان يملك 3 مزارع وحوالي 30 عبدا.
أمضى سنواته الأولى مع جدّته بيتسي بايلي، التي كانت مسؤولة عن تربية الأطفال العبيد، وكما هو الحال مع بقية الأطفال، فُصل دوغلاس عن أمه “هارييت بايلي” منذ نعومة أظافره، وكانت تزوره بشق الأنفس، إذ كان عليها قطع أكثر من 12 ميلا لتصل إليه، ونتيجة لذلك لم تره إلا أياما معدودة، وتوفيت حين بلغ السابعة من عمره.
وحين بلغ سن الرشد اكتشف أن والدته كانت السيدة الأفريقية الوحيدة القادرة على القراءة، وكانت سابقة نادرة بسبب أن التعليم كان محظورا على العبيد.
كان ممن أشرف على الأطفال العبيد في ذلك الوقت شخص يدعى بلومبر، وقد وصفه دوغلاس بـ”المتوحش والسكير البائس” في كتابه/السيرة الذاتية “قصة حياة فريدريك دوغلاس: عبد أميركي”، الذي أصدره عام 1845.
ويصفه أيضا بأنه كان مسلحا بسوط من جلد البقر وهراوة ضخمة ذات رأس مدبب، وقال إنه كان مشهورا بتعذيب النساء وتقطيع رؤوسهن.
ويقول الكاتب إنه شهد أبشع أنواع التعذيب في طفولته، إذ إن بلومبر كان يستمتع بجلد العبيد. ووصف دوغلاس أول مشهد دموي شاهده، عندما عذب بلومبر عمته هيستر حتى سالت دماؤها على الأرض، مؤكدا أن ذلك كان بداية “لسلسلة طويلة من الفظائع” التي عاشها طوال فترة استعباده.
وحين بلغ دوغلاس الثامنة من عمره عام 1826 نُقل إلى منزل ابنة الكابتن أنثوني “صوفيا أولد” وزوجها “هيوغ” في مدينة بالتيمور، حيث كان مسؤولا عن رعاية ابنهم.
وكانت صوفيا “طيبة القلب” كما وصفها دوغلاس، إذ علّمته القراءة كما علمت ابنها، لكنها سرعان ما توقفت عن ذلك بسبب توبيخ زوجها بحجة أن “التعليم يفسد العبيد ويجعلهم متمردين”.
ومع مرور الوقت تغير سلوك صوفيا تجاه دوغلاس بسبب تبنيها موقف زوجها من تعليم الرقيق، فكان الغضب ينتابها كلما رأته يتصفح الجريدة.
واجه دوغلاس العديد من العقبات التي عرقلت مسيرته الأكاديمية، إذ كان التعليم في القرن التاسع عشر محظورا على العبيد لأنه يهدد نظام العبودية، كما أن القوانين في الولايات الأميركية الجنوبية آنذاك كانت تغرّم من يعلّم العبيد وتفرض عقوبات على تجمعاتهم بغرض الدراسة.
وعلى الرغم من تشديد المراقبة على دوغلاس فإنه أصر على استكمال رحلته الأكاديمية، إذ أدرك منذ صغره أن المعرفة ستفتح له أبواب الحرية، لذلك اتخذ خطوته الأولى، وهي إتقان الأبجدية الإنجليزية.
استكمل مسيرته التعليمية بسرية، فتتبع الحروف في كتب مدرسية قديمة، كما كان يوفر الخبر لبعض الأطفال البيض الفقراء في الحي مقابل أن يعلموه القراءة والكتابة.
وفي يناير/كانون الثاني 1833، أعاره سيده إلى “مروّض للعبيد” وهو المزارع إدوارد كوفي، الذي كانت وظيفته ترويض وتركيع العبيد المتمردين والرافضين للخضوع.
ومع مرور الوقت زاد إقبال العبيد على التعليم، فأسس دوغلاس مدرسة يعلم فيها سرّا أقرانه من العبيد القراءة والكتابة عام 1834، وكان التعليم يتم في يوم راحتهم وبعيدا عن أنظار أسيادهم.
وعلى الرغم من تحسن ظروف دوغلاس عام 1834، فإن فكرة الهروب من العبودية ظلت تراوده، وخطط للهروب في عام 1835 رفقة 4 عبيد آخرين، لكنهم كُشفوا وفشلت خطتهم بسبب خيانة أحد المرافقين لهم.
وبعد فشل الخطة عاد دوغلاس إلى سيده السابق هيوغ أولد، ووظفه في ورش لصناعة السفن، وعلى الرغم من مشقة العمل فإن هذه الحرفة أكسبته خبرة كبيرة في الملاحة.
وفي فترة عمله في الورش عزز دوغلاس روابطه مع أبناء المجتمع الأفريقي الأميركي، وقاده القدر إلى لقاء امرأة أميركية من أصل أفريقي لكنها كانت حرة، واسمها آنا موراي، وهي التي موّلت رحلة هروبه إلى نيويورك في 3 سبتمبر/أيلول 1838.
وبسبب تمركز فرق صيادي العبيد في نيويورك، ولحماية نفسه قرر دوغلاس أن يغير اسمه من فريدريك بيلي إلى فريدريك جونسون.
لاحقا تزوج من آنا موراي في 15 سبتمبر/أيلول 1838، وانتقلا إلى مدينة نيوبيدفورد في ولاية ماساتشوستس الأميركية، حيث أقاما مع زوجين آخرين هما نايثان وبولي جونسون.
ومع مرور الوقت تطور المستوى التعليمي لدوغلاس، وفي 11 أغسطس/آب 1841 شارك لأول مرة في مؤتمر مناهض للعبودية، ولاقى خطابه إعجابا واسعا من الجمهور.
وأصبح خطيبا مشهورا في جمعية مناهضة لنظام الاستعباد في ولاية ماساتشوستس، قادته إلى جولات ألقى فيها محاضرات في مختلف أنحاء الشمال والغرب الأوسط الأميركي.
المؤلفات
بعد تحرره من العبودية، طوّر دوغلاس مستواه التعليمي والثقافي، وانتهى به الأمر إلى إصدار عدد من المؤلفات التي توثق معاناته أثناء استعباده، من أبرزها:
- صحيفة “النجم الشمالي”، وهي صحيفة مناهضة للعبودية أسسها في 3 ديسمبر/كانون الأول 1847، وسرعان ما أصبحت واحدة من أكثر الصحف تأثيرا في فترة ما قبل الحرب الأهلية الأميركية.
- “قصة حياة فريدريك دوغلاس: عبد أميركي”، وهي سيرة ذاتية صدرت عام 1845، تفصّل حياته منذ ولادته، وتحكي معاناته في فترة العبودية وقصة هروبه وتحوله إلى مناضل بارز ضد العبودية.
- كتاب يحوي مجموعة من رسائله وخطبه، نشر عام 1999، وتناولت هذه الرسائل والخطب عددا من القضايا التي كانت تشغل المجتمع الأميركي في القرن التاسع عشر، من إلغاء العبودية إلى حقوق المرأة، ومن الحرب الأهلية الأميركية إلى قضايا الإعدام الجماعي.
- كتاب عن مساهمته في حقوق المرأة، ويضم مجموعة من خطبه التي دعا فيها إلى وقف التمييز ضد النساء.
- رسالة من فريدريك دوغلاس إلى سيده السابق، نشرها الكاتب عام 1848، وعبّر فيها عن رغبته في معرفة تفاصيل طفولته وأصوله التي كان يجهلها بسبب العبودية، وأعلن فيها مسامحته.
- ماذا يعني 4 يوليو/تموز للعبد؟ ويضم الكتاب خطابا له ألقاه في بلدته بنيويورك يوم 5 يوليو/تموز 1852، وانتقد فيه يوم الاستقلال الأميركي (4 يوليو) واعتبر أنه استقلال لم يضمن للعبيد الحرية والكرامة.
- “عبوديتي وحريتي”، وهو كتاب آخر في سيرته الذاتية، يروي قصة عبوديته، وكيف تخلص منها، وهو تتمة للكتاب الأول.
حياته بعد العبودية
من 1835 إلى 1836 تعلم حرفة صناعة السفن في مدينة بالتيمور وعمل فيها، وكان لهذه المهنة دور كبير في هروبه من حياة العبودية، كما أن إتقانه أسلوب حديث البحارة وتنكره بزيهم أبعدا الشكوك عن كونه عبدا هاربا.
وعقب وصوله شمال الولايات المتحدة انغمس في القراءة وطوّر مستواه الأكاديمي، فعُيّن وكيلا لجمعية ماساتشوستس لمناهضة العبودية عام 1841.
وبعد مرور حوالي 3 سنوات أصبح ناشطا بارزا في مناهضة العبودية وداعما لحركة حقوق المرأة.
وبرز دور الناشط دوغلاس في الحرب الأهلية الأميركية عام 1861، إذ جند الرجال الأفارقة -ومن ضمنهم اثنان من أبنائه- في جيش الاتحاد الذي سعى لإلغاء العبودية، كما أنه قابل الرئيس الأميركي أبراهام لينكولن لحل قضية التمييز العنصري ضد الجنود الأميركيين من أصل أفريقي.
وبعد انتقاله إلى العاصمة واشنطن عام 1872، شغل عدة مناصب بارزة، إذ عُين مساعدا لسكرتير لجنة سانتو دومينغو، وعضوا في المجلس التشريعي لحكومة مقاطعة كولومبيا.
تولى أيضا رئاسة بنك الأحرار، وهو بنك أسسته الحكومة الأميركية بعد الحرب الأهلية للمساعدة في تحسين الوضع المالي للأفارقة الأميركيين الذين تحرروا من العبودية.
وشغل عدة مناصب فدرالية طوال فترة حكم 5 رؤساء أميركيين، ففي عام 1881 عُين مارشال الولايات المتحدة لمقاطعة كولومبيا، وأصبح وزيرا مقيما وقنصلا عاما في جمهورية هاييتي.
وعلى الرغم من التزاماته الحكومية، فإن فريدريك دوغلاس استمر في إلقاء الخطابات التي تركز على قضايا المساواة ورفض التمييز العرقي وحفظ حقوق المرأة، معتبرا أنه نضال يجب أن يستمر حتى بعد زوال نظام الاستعباد.
الوفاة
استمر دوغلاس في النضال من أجل العدالة والمساواة حتى آخر لحظات حياته، إذ قضى آخر يوم له في اجتماع داعم لحقوق المرأة.
وحين عاد إلى المنزل توفي إثر أزمة قلبية مفاجئة يوم 20 فبراير/شباط 1895، عن عمر ناهز 77 عاما.